مصر أكبر من أن تفشل

مصر أكبر من أن تفشل

لأسابيع ليست بالقليلة انتشرت تكهنات قوى الشر والخراب حول احتمال إفلاس مصر، وأن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد ليس لها مخرج .. لكن كان القطاع المصرفي المصري حائط الصد المنيع والجندي المعلوم لمحاربة ودحض هذه الأباطيل وكان البنك المركزي المصري في مقدمة الصفوف لقيادة انطلاقة قوية للاقتصاد المصري

قرر أمس الأربعاء البنك المركزي التحرك من خلال رفع أسعار الفائدة بنسبة 6% لتصل إلى 27,25% وهي الخطوة التي تسببت في انخفاض سريع لقيمة الجنيه المصري الذي فقد أكثر من ثلث قيمته أمام الدولار الأمريكي.

ورغم جرأة القرار وما أثاره من قلق على استقرار البلاد لكن إذا نظرنا عن كثب، سنجد أن هذه استراتيجية مدروسة يجري تطبيقها منذ أسابيع لكسر الجمود في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على أموال جديدة وجذب تدفقات دولارية لضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد القومي.

وأكد خبراء أنه لا ينبغي أن تكون هذه التطورات مخيفة لأنها جزء من الديناميكية التي تحدث منذ أشهر لضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي وكانت نقطة التحول الحقيقية هي الصفقة الأخيرة التي وقعتها مصر مع شركة أبو ظبي التنموية القابضة في الإمارات العربية المتحدة بقيمة 35 مليار دولار ويوفر هذا الاتفاق المهم للبلاد ضخًا جديدًا للسيولة، يمكن استخدامه في سلسلة من الاستثمارات ذات أولوية.

كما أعلن صندوق النقد الدولي عن اتفاق بقيمة 8 مليارات دولار من الصندوق و12 مليار دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ويتيح هذا الضخ الجديد للسيولة لمصر الحصول على “أموال جديدة للاستثمار” و”إدارة الانخفاض الجديد في قيمة الجنيه كما أن السيولة الجديدة تعني، على الأقل على المدى القصير، “إدارة نقدية أكثر تنظيما، وعملة صعبة جديدة يمكن إعادة استخدامها في التداول وفي الوقت نفسه مفتوحة لإصلاحات ليست تجميلية بل هيكلية”.

ورغم كل ذلك إلا أن هناك تحديات يجب مواجهتها .. حيث إن تخفيض قيمة العملة خطوة ضرورية لمصر، لكن يمكن أن يكون لها عواقب على التضخم وأسعار المواد الغذائية، وخاصة ما يؤثر على أضعف شرائح المجتمع.

ويجب على الحكومة أن تكون حذرة للغاية للسيطرة على التضخم خلال شهر رمضان المبارك، واحتواء الأسعار التي ستؤثر، بطريقة أو بأخرى، على الشرائح الأضعف من السكان خاصة من ناحية السلع الغذائية ولكن بفضل السيولة النقدية المتوفرة الآن، من الممكن توجيه هذه المرحلة بطريقة أكثر تنظيما، وهو ما ينبغي ضمانه بعد ذلك بفضل الامتياز الجديد من صندوق النقد أيضا”.

أما بالنسبة لمستقبل الإصلاحات الاقتصادية في مصر، فهناك إرادة سياسية عازمة على التغيير .. كمان أن هناك مطالبات بضرورة التحول من الاستهلاك إلى الترشيد والإنتاج والتصنيع والتشغيل والتصدير لضمان عوائد دولارية مستدامة، حيث أن ذلك السبيل الوحيد لحل مشكلة العملة بشكل نهائي وفقا لتأكيد حسن عبدالله محافظ البنك المركزي في المؤتمر الصحفي أمس.

وبشأن ملف إدارة الديون فيجب على الدولة سداد 29 مليار دولار من الديون هذا العام، وهذه السيولة الجديدة تعزز فرص الدفع وهذا يضمن لمصر، على الأقل على المدى القصير، استقرارًا معينًا في الأسواق المالية وفي إدارة الحسابات الجارية.

جدير بالذكر أنه انخفض الجنيه المصري إلى مستوى قياسي منخفض بعد أن قرر البنك المركزي المصري التحول إلى نظام سعر صرف مرن.

وظل سعر الجنيه عند نحو 31 جنيها للدولار لمدة عام تقريبا وسط نقص حاد في النقد الأجنبي، بينما وصل إلى أكثر من ضعف هذا الرقم في السوق السوداء.

وتأتي التدفقات الدولارية للبلاد في الوقت الذي تواجه فيه مصر ضغوطًا اقتصادية متزايدة تفاقمت بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة حيث تقع مصر على حدود القطاع المحاصر وتلعب دورًا حاسمًا في دعم إيصال المساعدات إلى غزة وتسهيل المفاوضات مع حماس.

وفي الوقت نفسه، تضررت إيرادات الدولة من العملات الأجنبية من الشحن عبر قناة السويس بسبب هجمات الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر بسبب جرائم إسرائيل.

وقال البنك المركزي المصري إن خطوة تعويم العملة ستؤدي إلى توحيد سعر الصرف وسد الفجوة بين سعري السوق الرسمي والسوداء مؤكدا أنه ملتزم بمواصلة استهداف التضخم والسماح بتحديد سعر الصرف من خلال قوى السوق.